إنها السابعة تماما. تعودت فاطمة النهوض مبكرة في مثل هذا الوقت الشهي الثمين، عليها تحضير قهوة الصباح، وإيقاظ فلذات كبدها تأهبا للذهاب إلى مدرستهم، فتحت علبتي القهوة والسكر، شعور فظيع بالامتعاض غمرها، لم يبق منهما في القاع إلا القليل، المبلغ الزهيد الذي تتلقفه من سيدتها نرجس كل شهر لم يعد كافيا البتة.
زوجها نذير منغمس في غطيطه الأحمق، لا يبرح سريره المتهرئ إلا في منتصف النهار، يخلد إلى النوم وينهض من دفء الفراش مثلما يحلو له، بريء تماما من تحمل المسؤوليات العالقة به، هو ملقى كرها على عاتق زوجته، وأولاده، ومجتمعه، القمار اللعين أحرق أصابعه حتى استحال هاجسا مروعا يسكنه إلى حد الاشتهاء.
منذ اقترانه بها لم تر منه ذرة خير، عنيد، متجبر في تصرفاته اللاعقلانية، دائم الشجاروالمناوشات، بالقوة يغتصب منها مالها الذي تحرزه، ويوزعه يمينا وشمالا غير مكترث بما يلحقه بها وبصغارها من أذى مدمر مميت.
حظها العاثر لم يسعفها من الخروج من دائرة محنة الفقر مما دفعها للبحث عن لقمة العيش في بيوت السيدات الراقيات، نرجس واحدة من بينهن تحيا حياة هنية طافحة بالبذخ والترف، تمتلك أروع المحلات التجارية، وأفخم السيارات التي تساير تطورات العصر الحديث.
تنهمك فاطمة في شتى الأعمال البيتية ابتداء من الصباح إلى آخر المساء، وإذا توقفت طمعا في التقاط أنفاسها المتقطعة ترتج ارتجاجا تحت وطأة التهديد الذي يسيل سما زعافا: لا تتقاعسي في أداء واجبك وإلا سأعوضك بأخرى أفضل منك، هناك الكثيرات مثلك من هن بحاجة لانتزاعهن من مستنقع الفقر وآفاته. ترد عليها بصوت خفيض لعلها تدافع عن نفسها دفاعا مستميتا: الفقر ليس عيبا يا سيدتي. ابتلعي لسانك القذر وإلا سيكون مصيرك الطرد النهائي.
لقد ذاقت فاطمة مرارة الذل كؤوسا مترعة على يد زوجها وسيدتها، طفح الكيل بها بعد سنوات طوال، ستثور لكرامتها المهدورة، وتصرخ بأعلى صوت: لا للصمت، لا للصمت .